التقييم بين المعايير الدولية والسعودية- لغة القيمة بروح محلية
المؤلف: حجاب الذيابي09.06.2025

في عالم المال والأعمال، حيث تتلاقى الأرقام بالقرارات الحاسمة، وحيث تُشيَّد الإمبراطوريات المالية على أساس القيمة الجوهرية للأصول، تتبوأ مهنة التقييم مكانة مرموقة كركيزة أساسية للشفافية الاقتصادية وأداة فعالة للحوكمة الرشيدة. إنها البوصلة التي تهدي المستثمرين نحو وجهة استثماراتهم الرابحة.
وبين رحاب المعايير الدولية التي تنبثق من عواصم المال العالمية كمدينة لندن ونيويورك، وبين أروقة المعايير السعودية التي استُلهمت من صميم البيئة المحلية، يقف خبير التقييم أمام منعطف معرفي دقيق، يتطلب منه إتقان فن المواءمة بينهما: أين تتلاقى هاتان الرؤيتان؟ وأين تتباين؟
عندما نتطرق إلى المعايير الدولية للتقييم (IVS)، فإننا نشير إلى منظومة عالمية متكاملة، تُستخدم لتقدير قيمة مختلف الأصول على اختلاف أنواعها وتصنيفاتها؛ بدءًا من العقارات السكنية والتجارية والصناعية، ومرورًا بالآلات الثقيلة والمعدات المتطورة والبنية التحتية الحيوية، وصولًا إلى المعادن النفيسة كالذهب والفضة، والمنشآت الاقتصادية الضخمة، والمركبات المتنوعة، وغيرها من الأصول ذات القيمة.
تمثل هذه المعايير بمثابة القاموس الموحد الذي يتخاطب به خبراء التقييم في جميع أنحاء العالم، بلغة مهنية رفيعة المستوى، تقوم على مبادئ أساسية هي: الحياد التام، والدقة المتناهية، والشفافية المطلقة.
أما المعايير السعودية للتقييم، فقد انبثقت من صلب هذه المدرسة العالمية العريقة، إلا أنها لم تقتصر على نقلها بحذافيرها، بل أعادت تشكيلها وصياغتها بعناية فائقة، لتتناسب مع الخصائص الفريدة للسوق السعودي، وما يفرضه العصر الحالي من تحولات جذرية نحو الذكاء الاصطناعي والثورة الرقمية الهائلة، مع الحفاظ على التوافق التام مع التشريعات والأنظمة والقوانين التي تنظم مختلف قطاعات السوق والخصوصية الاستثمارية الراسخة.
وعلى الرغم من الاختلافات الجوهرية بين البيئات التنظيمية والاقتصادية المتنوعة، إلا أن جوهر مهنة التقييم يظل ثابتًا لا يتزعزع. ففي كلا المعيارين، سواء الدولية منها أو المحلية، نجد:
• أن النزاهة المهنية ليست مجرد خيار ثانوي، بل هي حجر الزاوية وأساس الممارسة السليمة.
• أن أساليب التقييم الثلاثة الأساسية (المقارنة السوقية، والدخل المتوقع، والتكلفة التقديرية) معتمدة ومستخدمة وفق ضوابط ومعايير محددة بدقة.
• أن هيكل التقرير يخضع لنفس البنية المنهجية المحكمة: تحديد الغرض من التقييم، وتسجيل التاريخ بدقة، وتحديد الفرضيات الأساسية، ووصف الأصل المراد تقييمه، وتحديد أسس القيمة المعتمدة، وشرح المنهجية المستخدمة، والوصول إلى الاستنتاج النهائي.
وكأن العالم، بكل ما فيه من تنوع واختلاف، قد توافق على استخدام أبجدية موحدة ومشتركة عندما يتعلق الأمر بتقدير القيمة الحقيقية للأصول.
وكما أن اللهجات المحلية تعكس ثقافة الشعوب وتراثها العريق، جاءت المعايير السعودية محملة بروح البيئة الاقتصادية الفريدة في المملكة العربية السعودية، التي تتقدم بخطى ثابتة وواثقة نحو المراكز الأولى عالميًا، كعضو فاعل ومؤثر في مجموعة العشرين، وكمركز حيوي وجاذب للاستثمار الأجنبي المباشر.
وقد تميزت هذه المعايير السعودية بالعديد من الجوانب، أهمها:
1. المواءمة مع الأنظمة والتشريعات المحلية
حيث تأخذ في الاعتبار التنظيمات والقوانين المحلية، مثل نظام التسجيل العيني للعقار، ورسوم الأراضي البيضاء، وأنظمة التخطيط العمراني، وغيرها من المتغيرات الوطنية التي تؤثر على قيمة الأصول.
2. اللغة والتقرير
تلزم المعايير السعودية بإعداد تقرير التقييم باللغة العربية الفصحى، وفق نموذج محدد ومعتمد من الهيئة السعودية للمقيمين المعتمدين، على عكس (IVS) التي تتيح حرية اختيار اللغة المناسبة حسب السياق الدولي.
3. الترخيص والاعتماد المهني
لا يُسمح بممارسة مهنة التقييم داخل المملكة العربية السعودية إلا بعد اجتياز الاختبارات التي تجريها الهيئة السعودية للمقيمين المعتمدين، والحصول على الترخيص المهني اللازم، وهو ما يضفي بعدًا رقابيًا إضافيًا يضمن جودة الخدمات المقدمة.
4. تأطير بعض المفاهيم
كتعريف «القيمة السوقية» التي لا تُفسَّر فقط بناءً على قانون العرض والطلب، بل تأخذ في الاعتبار عوامل أخرى مهمة، مثل ندرة البيانات المتاحة، والتأثير البيئي المحتمل، والأنشطة الاقتصادية المحيطة.
ماذا يعني هذا للمقيم المحترف؟
يعني أن على المقيم المحترف أن يتقن لغتين أساسيتين:
• لغة السوق المحلي بكل ما تحمله من تشريعات وأنظمة، وديناميكيات متغيرة، وتفاصيل دقيقة.
• ولغة العالم، ليتمكن من التواصل بفعالية مع البنوك الدولية، والجهات الرقابية، والمستثمرين الأجانب، بلغة احترافية موحدة ومفهومة.
فالمقيم لم يعد مجرد «مُقدّر قيمة» تقليدي، بل أصبح أشبه بـ«مُفسّر اقتصادي» بارع، يقرأ المؤشرات الاقتصادية بدقة، كما يقرأ الطبيب نتائج التحاليل المخبرية، أو المحامي بنود القانون المعقدة.
ختامًا: مهنة تجمع بين الأصالة والمعاصرة
في كل تقرير تقييم يُكتب، تمتزج المعايير الدولية بالحكمة المحلية، ليولد التقييم ليس مجرد رقم جاف، بل كأداة حيوية لاتخاذ القرارات الاستراتيجية الصائبة.
ولعل أعظم ما يقدمه المقيم المحترف في السوق السعودي اليوم هو ذلك التوازن الدقيق والنادر: أن يكون ابنًا بارًا ومخلصًا للسوق السعودي، وابنًا مثقفًا وملمًا بالمدرسة العالمية في آن واحد.
وبين رحاب المعايير الدولية التي تنبثق من عواصم المال العالمية كمدينة لندن ونيويورك، وبين أروقة المعايير السعودية التي استُلهمت من صميم البيئة المحلية، يقف خبير التقييم أمام منعطف معرفي دقيق، يتطلب منه إتقان فن المواءمة بينهما: أين تتلاقى هاتان الرؤيتان؟ وأين تتباين؟
عندما نتطرق إلى المعايير الدولية للتقييم (IVS)، فإننا نشير إلى منظومة عالمية متكاملة، تُستخدم لتقدير قيمة مختلف الأصول على اختلاف أنواعها وتصنيفاتها؛ بدءًا من العقارات السكنية والتجارية والصناعية، ومرورًا بالآلات الثقيلة والمعدات المتطورة والبنية التحتية الحيوية، وصولًا إلى المعادن النفيسة كالذهب والفضة، والمنشآت الاقتصادية الضخمة، والمركبات المتنوعة، وغيرها من الأصول ذات القيمة.
تمثل هذه المعايير بمثابة القاموس الموحد الذي يتخاطب به خبراء التقييم في جميع أنحاء العالم، بلغة مهنية رفيعة المستوى، تقوم على مبادئ أساسية هي: الحياد التام، والدقة المتناهية، والشفافية المطلقة.
أما المعايير السعودية للتقييم، فقد انبثقت من صلب هذه المدرسة العالمية العريقة، إلا أنها لم تقتصر على نقلها بحذافيرها، بل أعادت تشكيلها وصياغتها بعناية فائقة، لتتناسب مع الخصائص الفريدة للسوق السعودي، وما يفرضه العصر الحالي من تحولات جذرية نحو الذكاء الاصطناعي والثورة الرقمية الهائلة، مع الحفاظ على التوافق التام مع التشريعات والأنظمة والقوانين التي تنظم مختلف قطاعات السوق والخصوصية الاستثمارية الراسخة.
وعلى الرغم من الاختلافات الجوهرية بين البيئات التنظيمية والاقتصادية المتنوعة، إلا أن جوهر مهنة التقييم يظل ثابتًا لا يتزعزع. ففي كلا المعيارين، سواء الدولية منها أو المحلية، نجد:
• أن النزاهة المهنية ليست مجرد خيار ثانوي، بل هي حجر الزاوية وأساس الممارسة السليمة.
• أن أساليب التقييم الثلاثة الأساسية (المقارنة السوقية، والدخل المتوقع، والتكلفة التقديرية) معتمدة ومستخدمة وفق ضوابط ومعايير محددة بدقة.
• أن هيكل التقرير يخضع لنفس البنية المنهجية المحكمة: تحديد الغرض من التقييم، وتسجيل التاريخ بدقة، وتحديد الفرضيات الأساسية، ووصف الأصل المراد تقييمه، وتحديد أسس القيمة المعتمدة، وشرح المنهجية المستخدمة، والوصول إلى الاستنتاج النهائي.
وكأن العالم، بكل ما فيه من تنوع واختلاف، قد توافق على استخدام أبجدية موحدة ومشتركة عندما يتعلق الأمر بتقدير القيمة الحقيقية للأصول.
وكما أن اللهجات المحلية تعكس ثقافة الشعوب وتراثها العريق، جاءت المعايير السعودية محملة بروح البيئة الاقتصادية الفريدة في المملكة العربية السعودية، التي تتقدم بخطى ثابتة وواثقة نحو المراكز الأولى عالميًا، كعضو فاعل ومؤثر في مجموعة العشرين، وكمركز حيوي وجاذب للاستثمار الأجنبي المباشر.
وقد تميزت هذه المعايير السعودية بالعديد من الجوانب، أهمها:
1. المواءمة مع الأنظمة والتشريعات المحلية
حيث تأخذ في الاعتبار التنظيمات والقوانين المحلية، مثل نظام التسجيل العيني للعقار، ورسوم الأراضي البيضاء، وأنظمة التخطيط العمراني، وغيرها من المتغيرات الوطنية التي تؤثر على قيمة الأصول.
2. اللغة والتقرير
تلزم المعايير السعودية بإعداد تقرير التقييم باللغة العربية الفصحى، وفق نموذج محدد ومعتمد من الهيئة السعودية للمقيمين المعتمدين، على عكس (IVS) التي تتيح حرية اختيار اللغة المناسبة حسب السياق الدولي.
3. الترخيص والاعتماد المهني
لا يُسمح بممارسة مهنة التقييم داخل المملكة العربية السعودية إلا بعد اجتياز الاختبارات التي تجريها الهيئة السعودية للمقيمين المعتمدين، والحصول على الترخيص المهني اللازم، وهو ما يضفي بعدًا رقابيًا إضافيًا يضمن جودة الخدمات المقدمة.
4. تأطير بعض المفاهيم
كتعريف «القيمة السوقية» التي لا تُفسَّر فقط بناءً على قانون العرض والطلب، بل تأخذ في الاعتبار عوامل أخرى مهمة، مثل ندرة البيانات المتاحة، والتأثير البيئي المحتمل، والأنشطة الاقتصادية المحيطة.
ماذا يعني هذا للمقيم المحترف؟
يعني أن على المقيم المحترف أن يتقن لغتين أساسيتين:
• لغة السوق المحلي بكل ما تحمله من تشريعات وأنظمة، وديناميكيات متغيرة، وتفاصيل دقيقة.
• ولغة العالم، ليتمكن من التواصل بفعالية مع البنوك الدولية، والجهات الرقابية، والمستثمرين الأجانب، بلغة احترافية موحدة ومفهومة.
فالمقيم لم يعد مجرد «مُقدّر قيمة» تقليدي، بل أصبح أشبه بـ«مُفسّر اقتصادي» بارع، يقرأ المؤشرات الاقتصادية بدقة، كما يقرأ الطبيب نتائج التحاليل المخبرية، أو المحامي بنود القانون المعقدة.
ختامًا: مهنة تجمع بين الأصالة والمعاصرة
في كل تقرير تقييم يُكتب، تمتزج المعايير الدولية بالحكمة المحلية، ليولد التقييم ليس مجرد رقم جاف، بل كأداة حيوية لاتخاذ القرارات الاستراتيجية الصائبة.
ولعل أعظم ما يقدمه المقيم المحترف في السوق السعودي اليوم هو ذلك التوازن الدقيق والنادر: أن يكون ابنًا بارًا ومخلصًا للسوق السعودي، وابنًا مثقفًا وملمًا بالمدرسة العالمية في آن واحد.